عيد البترول… يوم انتصار صنعه العمالقة وطمسته الاحتفالات

عيد البترول… يوم انتصار صنعه العمالقة وطمسته الاحتفالات

عندما لا ندرك قيمة ما نملك، نُسيء استخدامه، فتسقط قيمة الشيء من بين أيدينا. وهذا بالضبط ما حدث عند تفريغ احتفال «عيد البترول» من معناه، وتحويله إلى يوم لتكريم بعض العاملين، وكأنه عيد للعمال، وإعادة توزيع بعض القيادات على مواقع مختلفة. هكذا سقط — للمرة الثانية — المعنى والمغزى من عيدٍ يُعد من أمجد أعياد التاريخ؛ العيد الذي استردت فيه مصر حقول البترول من قبضة العدو الصهيوني بعد أن ظل جاثمًا على صدر سيناء ست سنوات، مستحوذًا على بترول مصر وثرواته.



وفي احتفالية «عيد البترول» هذا العام، كان الجهل هو سيد الموقف… الجهل بقيمة يومٍ اختير ليكون رمزًا لاستعادة مصر حقولها البترولية في سيناء؛ يوم واحد يعادل سنوات طويلة من الكفاح والنضال. يومٌ تسلّم فيه رجال تعلو هاماتهم كل القمم حقول بترول انتزعوها من قبضة المحتل الصهيوني في 17 نوفمبر 1975.


كان عز الدين هلال ورمزي الليثي وعبد الهادي قنديل يرفعون علم مصر فوق حقول سيناء؛ مشهد خُلد في سجل العظماء من قيادات قادت قطاع البترول إلى النصر، عبر معارك ممتدة منذ نكسة 1967، حين فقدت مصر 90% من حقولها البترولية ومعامل التكرير في النصر والسويس، والتي دُمّرت بقصف صهيوني مركز. ورغم ذلك، نجح رجال مصر وسط ألسنة اللهب في نقل بعض الوحدات إلى القاهرة والإسكندرية، ليؤكدوا أن الله وهب مصر رجالاً من ذهب.


ثم جاءت مرحلة البناء من جديد، حين أعادت سواعد قيادات وشباب القطاع إحياء ما تهدم في زمن قياسي؛ فاستخدموا الصنادل لنقل كميات الخام المتواضعة عبر المجاري المائية، واستغلوا المنخفضات لتكثيف الزيت المتطاير، ثم استخدموا الزيت الثقيل بديلاً للمازوت في تشغيل محطات الكهرباء.


وبفضل هذه السواعد الفولاذية، ارتفع إنتاج مصر من الخام خلال ثلاث سنوات إلى أكثر من 400 ألف برميل يوميًا، منها 300 ألف برميل من حقل المرجان الذي فلت من أيدي الاحتلال بعبقرية رجل في حجم أحمد كامل البدري، ثم علي والي وأحمد عز الدين هلال ورمزي الليثي وعبد الهادي قنديل وحسب النبي عسل وحمدي البنبِّي وغيرهم. هؤلاء هم من أعادوا بناء القطاع تحت القصف، ووفّروا احتياجات الجيش في حربه المستمرة منذ حرب الاستنزاف، الحرب الأطول والأشرف في التاريخ، والتي أنهكت العدو جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة في إعادة بناء الجيش، حتى جاءت حرب أكتوبر؛ أعظم حروب القرن العشرين.


تلك الحرب التي قضت على أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وأجبرته على الانسحاب وتسليم ما تبقى من سيناء، ومنها حقول البترول في يوم من أمجد أيام التاريخ. يومٌ وصفه لي عبد الهادي قنديل في مذكراته — التي تشرفت بكتابتها — بأن الدموع انهمرت على وجنتيه وجنبات وجه أحمد عز الدين هلال ورمزي الليثي أثناء تسلم الحقول ورفع علم مصر عليها. أسماءٌ تستحق أن تُخلَّد، وأن يبقى ذكرهم شامخًا حتى يعلم الجميع أن الوطن لا ينسى من ضحوا من أجله.

 

أليس هذا هو اليوم الذي ينبغي أن نحتفل به ونخلده؟


أليس هذا هو اليوم الذي يجب أن يجتمع فيه قيادات البترول المحالون للتقاعد — وهم كُثُر — ممن تتلمذوا على أيدي تلك القامات، ومن بينهم وزراء في حجم سامح فهمي ومحمود لطيف وعبد الله غراب وأسامة كمال، ورؤساء الهيئات والشركات القابضة أمثال محمد طويلة وإبراهيم صالح والعملاق كمال مصطفى وطاهر عبد الرحيم ومدحت يوسف وعمرو مصطفى، وجميعهم تتلمذوا على يد عبد الهادي قنديل؟ ألا يستحق هؤلاء التكريم ونقل خبراتهم للأجيال الجديدة التي تجني ثمار ما زرعه الأسلاف؟


ألم يكن من الواجب أن نذكر من كانوا سببًا في وصول من تبوؤوا المناصب اليوم إلى مواقع إدارة قطاع بُني بأرواح ودماء وسواعد رجال لم يهابوا الموت؟

كيف نحتفل بـ«عيد البترول» بينما حولناه إلى عيد عمال، يُكرَّم فيه العاملون فقط، ولا يُكرَّم فيه صُنّاع النصر ومن ندين لهم بما نحن فيه الآن؟

هل من المنطق ألا تُوجَّه الدعوة لوزراء البترول السابقين وقادة القطاع الذين عاصروا وصنعوا أحداث استعادة حقول سيناء وملحمة إعادة البناء؟


أيعقل ألا يدرك السيد وزير البترول أن من سبقه إلى مقعده كان بينهم رجلان حملا أخطر الأسرار، وهما موعد العمليات العسكرية في أكتوبر — البدري وقنديل — والذي أثمر عنه اليوم الذي نحتفل فيه باستعادة حقول البترول؟


كيف نتجاهل دعوة شيوخ القطاع إلى احتفالية كهذه، كما كان يحدث دائمًا؟ لقد وجهتُ انتقادات لاذعة للوزير السابق طارق الملا عندما تجاهل الاحتفال بعيد البترول، وقلت يومها إنه يجهل قيمة العيد الذي يحمل ذكرى انتصار لم يكن له شرف معرفة قدْر من صنعوه. ثم عاد الاحتفال في سنوات لاحقة، لكن اليوم مع الوزير كريم بدوي — الذي أصفه بالخواجة كريم — يبدو أنه لا يعرف قدر هذا اليوم، ولم يُكلّف نفسه حتى قراءة تاريخ قطاع شاء القدر أن يجلس على عرشه دون معرفة نضال رجاله.


والحكمة تقول: من لم يقرأ التاريخ… يظل طفلاً.

اننى أطالب بإعداد فيلم تسجيلي عن ملحمة قطاع البترول وقياداته عبر التاريخ، ليعرف الجيل الجديد معنى الوفاء.


إنني أدعو شباب قطاع البترول جميعًا إلى قراءة هذا التاريخ، ليعرفوا قدر أسلافهم وما قدموه من تضحيات، طالما أن وزير البترول لا يرى في هذا اليوم سوى مناسبة عابرة لا تستحق الاحتفال ولا تستحق دعوة الكبار من رجال الجيل الذي أعقب جيل من حملوا مشاعل إعادة بناء قطاع البترول.